أهمية الإسنادالحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي رفع منزلة العلماء حيث قال جل في علاه يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ، وسهّل لطالب العلم طريقا إلى الجنة كلما سلك طريقا إلى العلم، كما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ فلله الحمد كثيرا كما انعم كثيرا. وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه الى يوم الدين.أما بعد: فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكن ممن صلحت له الأقوال والأعمال، صلُح له قول اللسان وقول القلب، واستقام له عمل القلب وعمل الجوارح، كما أسأله سبحانه الإخلاص في القول والعمل، فعلى طالب العلم أن يقصد بطلبه للعلم وجه الله والدار الآخرة، وذلك لأن طلب العلم الشرعي عبادة والعبادة لا بد لقبولها من الإخلاص.وأن يجعلنا مباركين معلّمين للخير مفتحين أسبابه أينما كنّا، إنه سبحانه جواد كريم.أمرنا الله سبحانه وتعالى بعبادته واتباع النبي صلى الله عليه وسلم ولاتكون هذه العبادة والإتباع إلا بمعرفة ما أمر الله به وما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريق معرفة ذلك هو الرسول الكريم عليه من الله الصلاة والسلام فلا بد لنا من اتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا الاتصال يكون بالوسائط التي نقلت لنا أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته صلى الله عليه وسلم لذا بيّن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام رضي الله عنهم هذا الأمر فقال :"تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم "(وهذا الحديث دل على مسألة التسلسل في العلم وأنه ينقل جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقي كلامه للصحابة فقام الصحابة بنقل كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته إلى من بعدهم من التابعين وقام التابعون بنقل هذا إلى من بعدهم وهكذا تناقلوا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم جيلا بعد جيل حتى وصل إلى يومنا هذا .وهكذا فكلما تباعد الزمن بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم كلما ازداد احتياجنا لهذا العلم ، وصار الاهتمام بنقلة الحديث اهتمام بالحديث نفسه ، وأهمية إسناد الحديث من أهمية الحديث فبرز علم رواية الحديث عند علمائنا الكرام لضرورة المحافظة على نقاء السلسلة الموصولة لمتن الحديث وبرز علم الجرح والتعديل للنظر في أحوال الرواة من حيث القبول والرد.
الأسانيد ومفردها الإسناد هو سلسلة الرجال أو الرواة الذين ينقلون القرآن أوالحديث أو الخبر كل راو عمن فوقه إلى منتهى السند أي إلى القائل أوالفاعل، وبحمد الله تعالى امتازت هذه الأمة بالأسانيد وهي السبب الذي حفظ الله تعالى به دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
الأسانيد مهمة جداا في نقل القرآن الكريم الينا والأصل في القرآن الكريم ماكان في الصدور وهذا لايعني انه ماكان في السطور غير مهم لالا .. مهم أيضا ولاشك أن أهمية الأسانيد:1- هي أن الإنسان تطمئن نفسه الإطمئنان التام بأن هذا القرآن محفوظ قد حفظه الله تعالى.2- وكذلك حفظ رسم المصحف الذي رسم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .3- وعدم اختلاف أهل العلم في نقله.لو أن أحدنا التقى بشيخ كبير مثلا أو شخص له مقام كبير أو تراسل معه وتواصل ألا يفتخر بذلك؟فكيف بمن عنده اسناد من رب العزة ؟؟!!! متصل برب العالمين يعني أنا لو عندي اسناد بالقرآن الكريم أنقله عن فلان وعن فلان وفلان وفلان ... عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين . هل هناك شرف أعظم من هذا الشرف ،شرف عظيم جدااا، الأنسان عنده إسناد عن رب العزة يتلقاه عن شيوخه الى النبي صلى الله عليه وسلم الى جبريل الى رب العزة سبحانه وتعالى.فالأسانيد مهمة فعندما نقول أن القرآن متواتر نقل الينا بالتواتر مامعنى ذلك؟؟ هو أن ينقله جمع عن جمع كلهم عدول وثقات لايتواطؤا على الكذب ، ونلاحظ كلما كثرت هذه الأسانيد مع كثرتها عدم أختلافها ماذا يدل هذا ؟؟ يدل على أنه صحيح .الإسناد خصيصة لهذه الأمة، لا يوجد عند أمة من الأمم شيء اسمه الإسناد إلا هذه الأمة فهو مزية لها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية "وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد وجعله سلما إلى الدراية فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة أهل الإسلام والسنة يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم ، وغيرهم من أهل البدع والكفار إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد وعليها من دينهم الاعتماد وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل ولا الحالي من العاطل" وقال أيضا :"الإسناد من خصائص هذه الأمة وهو من خصائص الإسلام ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة"وقال أبو حاتم الرازي: "لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا هذه الأمة".قال الحافظ السخاوي: "الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة، و سنة بالغة من السنن المؤكدة .وروي عن ابن عباس قال: سمعت محمد بن حاتم بن المظفر يقول: إن الله قد أكرم هذه الأمة و شرفها وفضلها بالإسناد، و ليس لأحد من الأمم كلها قديما وحديثا إسناد، و إنما هي صحف في أيديهم، و قد خلطوا بكتبهم أخبارهم، فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات، و هذه الأمة إنما تنص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، فالأضبط فالأضبط، و الأطول مجالسة فمن فوقه عمن كان أقل مجالسة، ثم يكتبون الحديث عن عشرين وجها أو أكثر حتى يهذبوه من الغلط و الزلل، و قد يضبطون حروفه و يعدونه عدا، فهذا من فضل نعم الله على هذه الامة".
و قال ابن المبارك: "الإسناد من الدين و لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" و قال أيضا : "مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم".قال الشافعي: مثل الذي يطلب العلم بلا إسناد مثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب فيها أفعى تلدغه وهو لا يدري .وفي قصة جميلة أن الإمام الحافظ الزهري حدّث يوما حديثا بإسناد، فقال له سفيان بن عيينة: يا إمام هاتِهِ بلا إسناد، فقال الزهري: أترقى السطح بلا سُلّم ؟! هكذا كان اهتمام السلف واستشعارهم أهمية الإسناد، وقال سفيان الثوري: الإسناد سلاح المؤمن فإذا لم يكن معه سلاح فبأي سلاح يقاتل.قال ابن سيرين رحمه الله: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم.وقال يزيد بن زريع: لكل دين فرسان وفرسان هذه الدين أصحاب الأسانيد .وأقوال السلف في بيان أهمية الإسناد وخصوصية الأمة ، كثيرة جدا بل إن الإسناد وما تفرع عنه يعد من أعظم إنجازات المسلمين في مجال البحث العلمي.الإسناد: هو الإخبار عن طريق المتن أو حكاية رجال الحديث.السند: هو الطريق الموصل إلى المتن، أي رجال الحديث، وسموه بذلك لأنهم يسندونه إلى مصدره.المتن: هو ما انتهى إلى السند.ورد في صحيح البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان: قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص يقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) . رواه البخاري و مسلم في صحيحهما .السند هو "سلسلة الرواة الموصلة إلى المتن"
فيكون سند الحديث أعلاه هو : ( حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان: قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص يقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول )
واما المتن هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أو ماينتهي إليه الإسناد "
فيكون المتن هنا هو : "( إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه )المحدث (بضم الميم وكسر الدال): هو العالم بطرق الحديث وأسماء الرواة والمتون فهو أرفع من المسند.الحافظ: هو من حفظ مائة ألف حديث متنا واسنادا ووعي ما يحتاج إليه.الحجة: هو من أحاط بثلاثمائة ألف حديث.الحاكم: هو من أحاط لجميع الأحاديث المروية متنا وإسنادا وجرحا وتعديلا وتاريخا.الحديث رواية : هو دراسة ما يتعلق بإسناد الحديث من ناحية معرفة أحوال رجال الإسناد، وسماع بعضهم من بعض،والاختلاف الحاصل بينهم ونحو ذلك.حديث دراية: هو ما يتعلق بفقه الحديث ومعناه .
رواية الحديث
السماع بأن يقرأ الشيخ الحديث من حفظه أو من كتابه والحضور يسمعون لفظه ، أو يقرأ أحدهم على الشيخ وهو يصغي لقراءته والحضور يستمعون له .أوأن يجيز الشيخ لشخص أو أشخاص معينين ممن وثق بأهليتهم للتحمل أن يرووا عنه ما أجازهم به ، ويسمى ذلك إجازة .أو أن يعطي التلميذ حديثاً أو أحاديثاً أو كتاباً ويقول له أرو عني هذا ويسمى ذلك مناولة .أو أن يكتب العالم بخطه أو يكلف من يكتب عنه لمن يثق بأهليته للتحمل ويأذن له بالرواية عنه ويسمى ذلك كتابة .أو يوصي قبل سفره أو قبل موته بكتاب من مروياته لشخص يرويه عنه ويسمى ذلك الوصية .أو أن يجد شخص كتاباً بخط من عاصره وعرف خطه ووثق بصحة نسبة الكتاب إليه فرواه عنه ويسمى ذلك وجادة .فهذه أنواع طرق التحمل .وقد وضع العلماء والمحدثون قواعد وضوابط لنقل الأحاديث والأخبار كما وضعوا شروطا يجب أن تتوفر في الراوي كالضبط والعدالة حتى يقبل خبره واشترطوا اتصال السند وسلامة الخبر من الشذوذ والعلة، لما جمع الإمام مسلم في كتابه الصحيح جملة عظيمة من الأحاديث الصحيحة وضع له مقدمة طيبة نافعة وذكر فيها آثارا واقوالاً لبعض أئمة الإسلام والمسلمين الذين بينوا أهمية الأسانيد قال رحمه الله تعالى:باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة.فالكلام في الشريعة وبيان حكمها واستنباطها وتمييز ضعيفها من صحيحها ليس من قبيل الثقافة العامة التي يتناولها الكتاب والمفكرون والمثقفون والشعراء بالنقد والتعليق كما يتناولون نقد القصيدة والمقالة، هي مسألة علمية تتعلق بدين الله عز وجل، لا يجوز أن يتكلم أحد بدين الله عز وجل إلا بعلم، لذلك الله عز وجل لما ذكر المحرمات جعل من أشد المحرمات القول على الله بغير علم،ولإبن القيم كلام جميل يقول فيه: وقد حرّم الله القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منهاكما قال تعالى: قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير حق وأن تشركوا بالله ما لم ينـزّل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون.فوائد التخريج ودراسة الأسانيد
وأهم فوائد التخريج هو دراسة الأسانيد، لوسمعنا حديثا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا حدثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد قال يعقوب بن دريك عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "يا أسماء إن المرأة إذ بلغت المحيض لم تصلح أن يري منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجهه وكفيه. ؛ أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب: فيما تبدي المرأة من زينتها (4/62 رقم 4104) :
نريد أن نعرف هل هذا الحديث صحيح أو غير صحيح، لو بحثنا في الكتب التسعة لوجدنا أن الذي رواه هو أبو داود فقط أخرجه في سننه دون بقية أصحاب الكتب التسعة، ورأينا أن الإمام أبو داود – رحمه الله – لما روى هذا الحديث بيّن علّته، فقال: هذا مُرسلٌ خالد بن دُريْك لم يدرك عائشة رضي الله عنها. فهو منقطع والمنقطع عند أهل العلم لا يحتج به يسمى ضعيفاً، وفي إسناده رجل ضعيف يقال له سعيد بن بشير لا يحتج به أيضاً.والمرسل الذي ما فيه صحابي ورواة التابعين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمى مرسلاً وهو ضعيف لا يحتج به، إلا إذا كان مراسيل إثنين فإكثر تكون من باب الحسن، يعوض بعضها بعضاً، أما مرسل واحد فلا يحتج به ضعيف، كأن يروي الحسن البصري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو سعيد بن جبير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني بعض التابعين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا يسمى مرسل، وقيل أن هناك عللا أخرى منها أن سعيد بن بشير راوي عن قتادة خالفه هشام الدستوائي وهشام الدستوائي هو من أوثق طلاب قتادة بن دعامة السدوسي.وقال الحافظ ابن حجر عنه : " ضعيف "وقيل أيضا أن سعيد بن بشير عنده ضعف ومنكرات نص عليها النقاد كأحمد وغيره، وهناك علة رابعة: قيل أن الذي يروي الحديث عن سعيد بن بشير هو الوليد بن مسلم وهو معروف بالتدليس وهنا لم يصرح بالتحديث، والمدلِّس لا بد أن يصرّح بالتحديث، فهنا عنعنة الوليد بن مسلم هذه علة.التدليس في اللغة من الدلسة وهي الظلمة ، بمعنى المخادعة بكتمان شيء وإظهار شيء ، والدلس اختلاط الظلام بالنور.ولكن في مصطلح الحديث أن يحدّث الرجل عن شيخ قد لقيه وأدرك زمانه ، وأخذ عنه ، وسمع منه ، وحدث عنه بما لم يسمع منه ، بلفظ يوهم السماع كـ " عن فلان " أو " قال فلان " ، وسُمي هذا بالتدليس لاشتراكه مع المعنى اللغوي في الخفاء في كل منهما . عندما يوصف المحدث بالتدليس قد لايقصد به بالضرورة تعمد المخادعة وكتمان الصواب ، وإن كان قد يحصل ذلك من بعض الرواه عمدا .وهناك علة أخرى وهي أن هذا الحديث لو صح لكان محمولاً على ما كان قبل الحجاب؛ لأن المرأة قبل الحجاب كانت تبدي وجهها وكفيها ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..(الأحزاب: من الآية53)، وبقوله سبحانه-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ.. (الأحزاب:59)، وبقوله سبحانه- في سورة النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ...الآية(النور: من الآية31) فليس لهن إبداء الزينة لغير المحارم، والوجه من أعظم الزينة.والعلة الأخيرة وهي أن مثل هذا العمل لا يظن بأسماء -رضي الله عنها- فإنها امرأة صالحة فقيهة معروفة وهي أخت عائشة الكبرى، وهي زوجة الزبير بن العوام حواري الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، فلا يليق منها بعد الحجاب أن تدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثياب رقيقة أو مكشوفة الوجه واليدين، فهذا مما يبين عدم صحة هذا الحديث وأنه ضعيف جداً من وجوه كثيرة ولا أساس له، وأنه معلول بعلل متعددة، وأن الواجب على من يذكره في أي كتاب أن يبين ضعفه، وأنه لا يصلح أن يحتج به لأن في سنده انقطاعاً وضعفاً يوجب عدم الاحتجاج به وعدم الاعتماد عليه.والله تعلى أعلى وأعلم.الشاهد هنا، أن هذا المثال أبرز لنا فوائد التخريج، فمن ثمار التخريج ودراسة الأسانيد ما يلي:-تمييز الصحيح في الأحاديث من ضعيفها، وهذا أمر مهم جدا، كيف نبني أحكاما فقهية على حديث ضعيف أو موضوع أو منكر، كيف نفسر آية من كتاب الله عز وجل لحديث ضعيف أو منكر؟ كيف نذكر حكما عقديا لحديث ضعيف أو موضوع؟! فتمييز الحديث صحيحه من ضعيفه هذا من أهم ثمار التخريج.
ودراسة الأسانيد هي روح التخريج، لأن التخريج الآن اصبح الأمر السهل، في هذا الزمان فالبرامج الحاسوبية كفت المؤونة على الناس فاستطاع أي واحد الصغار والكبار والرجال والنساء أن يخرّجوا، ولكن دراسة الأسانيد التي هي روح التخريج هذه التي لا يتقنها إلا طالب العلم المتخصص ، فهي مهمة جدا ، دراسة الأسانيد مع التخريج، لا ينفكان عن بعضهما البتة.الحث على الرحلة وطلب علو الإسنادأصبح طلب علو الإسناد سنة عند علماء السلف ولهذا حرصوا على الرحلة إليه واستحبوها، وحثوا طلاب العلم على ذلك:فعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: طلب علو الإسناد من الدين.وعن أبي العالية قال: كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة بالبصرة، فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم.وعن عامر الشعبي قال: لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبله من عمره رأيت أن سفره لا يضيع.وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيت خالي وإسناد عالي.ولله در القائل: والأسانيد متى خفيت اختلط صادق الأنباء بكذبها،وصحيح الأخبار بضعيفها،والتبس الحق بالباطل،فَصُوِّرَ في الأذهان مالم يكن،ومُثل في العقول مالم يقع،وأخطأ اللاحق سنة السابق،وضل الآخر سبيل الأول،وتشعب الرأي،وافترق النظر،وكثرت المذاهب،فشاع الخلاف،وعمَّت الفرقة،لايذهل عن ذلك عاقل،ولا يرتاب فيه عالم.والإسناد في هذه الأمة لا يتعلق بالقرآن الكريم والحديث الشريف بل تعداه إلى أسانيد الكتب فهناك الأسانيد لكتب العلم مثل كتب التفاسير وكتب الفقه وكتب العقيدة والتوحيد وكتب اللغة وما إلى ذلك في سائر العلوم والفنون وهذه الأسانيد كانت أنساب الكتب كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح صحيح البخاري وبقاء هذه السلسلة باق ما بقيت هذه الأمة ولله الحمد والمنة .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمينسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إاله إلا أنت نستغفرك ونتوب اليكإعداد وتقديمالفقيرة الى رحمة ربهامفيدة محمد زكي البكرأم أيمن2/12/ 2011 الموافق 7/1/1433ألقيت في صالة ليالي الشرق بمناسبة حفل تخريج طالبات إجازة صحيح مسلم والأربعين النووية وثلاثيات البخاري والشمائل المحمديةعمان / الأردن
الجمعة، 16 ديسمبر 2011
أهمية الإسناد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق